Wednesday 1 November 2017

عن داريو فو مؤلف إيزابيللا وثلاث سفن ومُحتال

في شهر أكتوبر من عام 2016، رحل الايطالى داريو فو الحائز على جائزة #نوبل_الاداب العام 1997 عن تسعين عاما على ما ذكرت وسائل اعلام ايطالية عدة. وكان فو المعروف بعدم امتثاله للاعراف، اشتهر عالميا العام 1969 بفضل كتابه “ميستيرو بوفو”، وهو ملحمة عن المضطهدين مستوحاة من ثقافة القرون الوسطى يعلم فيها البطل، وهو بهلوانى الثورة من خلال الضحك. عند فوزه بجائزة نوبل عام 1997 فسرت لجنة نوبل قرارها بمنح داريو فو الجائزة قائلة“كالمعتاد فإن مسرحيات داريو فو تطلق صرخات اعتراضها على الظواهر السلبية لمجتمعنا اليوم، وإذا كان أحد يستحق لقب المهرج، فهو فو بالتأكيد، إذ أنه استطاع من خلال المزج بين الهزل والجد ايقاذ الضمائر الفاسدة، ومواجهة الظلم الاجتماعي… لقد تعرض للكثير من المخاطر بسبب موقفه الاجتماعى والسياسى المناهض للظلم، ولكنه فى مقابل ذلك حصل على التقدير والحب من جمهوره”.داريو فو الذى رحل عن تسعين عاما عمل أيضا كممثل، ومن أهم أعماله “السر الغامض” و“موت فوضوى صدفة”، و“لن ندفع، لن ندفع”، و”إيزابيللا وثلاث مراكب ومحتال”. من هو داريو فو؟ولد داريو فو عام 1926 فى قرية صغيرة قريبة من حدود سويسرا، وكان يعيش فى قريته الصيادون والمداحون الذين يروون القصص الشعبية والخيالية فى الطرقات، مستخدمين لذلك التعبيرات الجسدية. وعند بلوغه العشرين من عمره، حاملا معه تراث قريته الإبداعى من قدرة هائلة على التعبير الجسدى والارتجال، انتقل إلى ميلانو حيث تقابل مع شريكة كفاحه وحياته، فرانكا رامى سليلة عائلة رامى الفنية العريقة.كان قد حضر من مقاطعة فاريزى، ابن رئيس محطة قطار، وكان قد بدأ يستمع إلى أدباء المدينة، ويحاول تقليدهم فى القطار السريع الذى يستقله من منزله حتى ميلانو، حيث كان يدرس العمارة.وكان يقص دائما كيف كانت المقابلة الأولى الرائعة مع فرانكا رامى، فى المصعد، هى الشابة الجميلة، وهى ترتدى ملابس السهرة.يقول فو إنه لم يجرؤ على التطلع إلى وجهها، وإنها هى التى بدأت فى مغازلته. ومنذ تلك اللحظة لم يفترقا مطلقا، وبدأ تاريخهما المشترك، فى الحب، والعمل، وفى الالتزام السياسي.كان هو يكتب نصوصه التى لا تقاوم، وكانا يمثلانها سويا؛ يواجهان الشرطة التى تطردهما، والاعتقال الذى كان يزيد من جماهيريتهما. ولكن لم يكونا مكروهين فقط من الأثرياء والقادرين، الذين كانا يضنيانهما، ولكن كان أعضاء الحزب الشيوعى الإيطالى أيضا يستاءون من حريتهم فى السخرية من أتباع ستالين، والنقابات. وفى المناطق الشيوعية منعوهم من استخدام المسارح، بل وقد قابلتهم لحظات مأساوية عديدة، منها على سبيل المثال انفجار قنبلة فى منزلهم فى شيزيناتيكو، وأخرى فى المسرح.علاقة خاصة مع الجماهيربدأ فو عمله مع فرانكوا بارينتى وجوستينو دورانو حيث قدم مع الثنائى كوميديا تعتمد على السخرية اللاذعة، وقدم هو فى البداية مونولوجات “القزم المفزع” التى حازت على إعجاب الجميع.واستمر العمل مع الثنائى حتى بدأ عام 1958 بفرقته الخاصة وقدم مسرحيته “الكوميديا الختامية” .وقد نهج فو منهج الاقتباس إذ كان يستعين بكل عناصر الكوميديا التقليدية، والتراث التقليدي. وتميز فو بقدرة هائلة على الارتجال والتواصل مع الجمهور أثناء تقديمه لعروض، وقد تميزت كتاباته بالقدرة الهائلة على التعبير عن الأحداث والمشاعر والمناقشات الخاصة بالجمهور.وعمل فو وفرانكا لفترة مع التليفزيون الإيطالي، ولكن تعرضت أعمالهما للرقابة فاعترضا وانسحبا من العمل، واستمرت القطيعة بينهما وبين التليفزيون أكثر من 14 عاما، وقد قام التليفزيون بحرق أعمالهما التى تعرضت للرقابة فى ذلك الوقت.الالتزام السياسى والمقاومةومنذ عام 1968 بدأ التزامهما السياسى يتخذ مسارا أكثر حدة ووضوح من خلال المسرح والعروض، بل والانضمام للعديد من الحركات السياسية، والتعرض للقضايا السياسية العالمية والمحلية.ففى الفترة بين 1968 و1980 قدما عدة عروض مسرحية منها: “أريد أن أموت هذا المساء حيث لا فائدة” و “موت فوضوى صدفة”، و”الكل متحدون، الكل معا”، “فدائيون”، و “كفانا فاشية” وغيرها. وكانت تلك العروض تعرض المقاومة الإيطالية والفلسطينية حيث كانوا يدعون إلى مناهضة الظلم أيا كان.وخلال تلك الفترة تعرض فو للاعتقال بسبب اتجاهاته السياسية وسخريته اللاذعة من كل السلطات، بل وتعرضت زوجته للاعتقال والتعذيب.وفى عام 1980 رفضت الولايات المتحدة الأمريكية منح فو ورامى تأشيرة دخول، واستمرت على موقفها هذا بالرغم من اعتراض مثقفيها، حتى عام 1985.رأيه فى الجائزةرأى فو إن فوزه بجائزة النوبل يعد إعادة لكرامة الممثلين فى تركيا والجزائر وافغانستان والصين، وفى الدول الأخرى، والذين اضطهدوا لأنهم عرضوا مسرحياته المعارضة.وأضاف أن هذه الجائزة تؤول إلى كل مثل استطاع أن يحارب الظلم والفساد بالسخرية، وقال “لقد توج أحد المهرجين ولكن لا تنسوا كم منهم اضطر على أن يلتزم الصمت”.إن جائزة نوبل هى جائزة مُنحت أيضا لتلك الجموع التى ضحكت معه وشجعته، ومعه آمنت بذلك العالم الأفضل الذى لا يعلم أحد إذا كان يمكن تحقيقه أم لا.وبجانب منحها إلى مؤلف مسرحى عظيم «وممثل ومخرج» محبوب وقُدمت عروضه فى جميع أنحاء العالم، فلقد مُنحت هذه الجائزة للحنين إلى روح الجماعة، تلك الروح التى كانت تبعث على الأمل فى إمكانية تغيير الحياة، والقضاء على الظلم، والوصول إلى السعادة.إيطاليا بين الفرح والاعتراضوانقسمت إيطاليا فى تقديرها للموقف بين مرحب ومعارض، فلقد كان هذا الفوز خارج نطاق جميع التوقعات. وقد عبرت جميع الأوساط الإيطالية عن اندهاشها من هذا القرار.وعن قرار الأكاديمية يقول أوميرتوا إيكوا الأديب الإيطالى الشهير: إن فوز فو يُعد أحد مفاجآت الأكاديمية، وأنا أشعر بالسعادة لأن فو صديق حميم، ولأن من حصل على الجائزة ليس أكاديميا. من لا يحب فو لا يعرفه، فما يدهشنى هى تلك الشعبية الضخمة التى يتمتع بها فى الخارج، شعبية من جمهور لا يعرف سوى مؤلفاته المسرحية.المشكلة فى إيطاليا هى أننا لم نفصل بين مؤلفاته وشخصه، واعتقدنا أن مسرحياته لا تنجح إلا بوجوده وهذا عكس ما يحدث قى الواقع.ويضيف إيكو أنه لا يوافق من يقولون إن الأدب قد أصيب فى مقتل بمنح فو جائزة نوبل، إذ إن هذا سيجعل الأكاديميين والدارسين يبحثون عن نوع من الإنتاج الأدبى لم يلتفت إليه أحد.وعلى الصعيد الآخر أبدى العديد من النقاد استياءهم، وأعلنوا أنه هكذا تعلن الأكاديمية للعالم رسميا أن إيطاليا موطن المهرجين. ويعترضون على عدم منح الجائزة للشاعر الإيطالى ماريو لوتزي، ويسترجعون الأمجاد الماضية للأكاديمية عندما اختارت بيرانديللو أو كوزيمودو.

مقال نُشر في جريدة القاهرة أكتوبر 2016
كتبته: أماني فوزي حبشي

No comments:

Post a Comment