Tuesday 30 January 2018

تلك المصادفات المتكررة

 لا أعلم ماذا يحدث لي هذا الأسبوع بالتحديد، ولكن أشياء تتكرر وصدف غير عادية تصر على أن تقف في طريقي هذه الأيام، أغربها الأمس وأوله.
أول أمس، أحلم بأن ناشر سينشر ترجمة  لي، وسيقوم بتعديلات تضايقني وسأفاجىء بها، لأجد  في اليوم التالي رسالة من الناشر بها ما يفيد ما حلمت به، بل ولا أستطيع حتى أن أعرف بالتحديد ما قاموا به من تغيير حيث لا وقت أمامهم لأخذ رأي في التعديلات، التي أكدوا لي أنها لن تمس بالترجمة :(
أقنع نفسي بأنني توقعت هذا، سواء لمعرفتي بسياستهم أم لطبيعة النص، نظرًا 

لاقتراب التاريخ المتوقع للنشر، لا بأس، وأدعو نفسي لئلا أبالغ في تخيلاتي

مساء أمس أتذكر فجأة فيلمًا كنت أحاول العثور عليه منذ فترة عن شخص يسمع رواية تحكي عنه وعن محاولته المستميتة للعثور على المؤلفة التي تكتب عنه ويسمعها جيدًا، ليمنعها من أن تقتله (حسب ما فهم من الرواية) ويعثر عليها بالفعل :) وتتوالى أحداث الفيلم بين معاناة بطل الرواية ومعاناة المؤلفة التي تعاني من صعوبة العثور على طريقة لقتل بطل روايتها، حيث انها معروفة بأنها تقتل ابطالها. لأبدأ اليوم مصادفة في قراءة حمام الدار للسنعوسي وأجده يحكي عن مؤلف يعاني من صعوبة في انهاء روايته الجديدة وطريقة للوصول لموت البطل
ابتسم، لا أعرف بالتحديد هل تأثر السنعوسي بالفيلم الأجنبي واستطاع من معاناة المؤلفة الوصول لفكرة روايته، أم أنها مجرد فكرته هو، وهو لا يعرف شيء عن الفيلم الذي شاهدته أنا مصادفة بالأمس
ابتسم لأنني أحببت جدًا معاناة المؤلفة التي تكتشف فجأة أن شخصياتها موجودة في الحياة، تعيش وتتنفس، ولكن ما تكتبه، اختياراتها  للعبارات والكلمات، بل والمواقف، هي التي تمنح لتلك الحياة شاعرية ومعنى، بل وتساعده لغة المؤلفة أيضًا، وما يسمعه منها على أن يكتشف ما في نفسه من مشاعر ربما لم يكن ليستطيع هو أن يصيغها بتلك الطريقة الرائعة، الأمر الذي  يدفع  البطل نفسه عند قراءة الرواية أن  يختار النهاية التي حسمتها هي له، بل ويشكرها على بعض الفقرات 

إنه فعل الكتابة، إنه فعل الخلق الآخر الذي يمنح معنى مختلف للأشياء العادية بل والمعتادة، إنها تلك القدرة على وضع الحياة اليومية في موقع آخر، تلك القدرة التي تدفعنا على الاستمتاع بما نراه حولنا، فننظر إليه بعين وخيال يمنحانه بعدًا آخر جميل 
إنها قوة الكلمات والقدرة على صياغة العبارات
إنها الحياة التي نمنحها، بتأملنا فيما حولنا من أشياء، ومحاولتنا منحها صفات، بُعدًا آخر يساعدنا على الاستمرارية، بل والاستمتاع بالأشياء الصغيرة التي تحيط بنا  

  


 

Wednesday 24 January 2018

في ليلة من الليالي حلُمت أنك تتكلم

إن الشخص المصاب بالتوحد هو شخص لا يمنح أي اهتمام إلى كل هذا. إن كل ما يمكنه تقديمه لأهله هو مجرد نظرة  حالمة، لا تحمل الكثير،  حيث لا أحد يعلم فيما يفكر. ولكن يحدث أحيانًا أنه في كومة هؤلاء "الغرباء"، يختار المتوحد شخصًا واحدًا؛ ويلقى عليه بحبل غير مرئي ليصطاد ذلك المحظوظ. لا أحد يعلم شيئًا عن أسس هذا الاختيار، ولا حتى إلى متى يستمر هذا الارتباط. ربما مدى الحياة وربما لفصلٍ واحدٍ من فصول السنة.  وأنا أعرف أنني قد تم اختياري، و أنني لن أستطيع أن أتراجع. 


إن الأدبيات المتعلقة بحالات التوحد كثيرة جدًا، ولكن، وعلى الرغم من أن لدي ابن متوحد في المنزل، فإنني لن أستطيع القول بأن الأمر يتعلق بمجرد نوع من أنواع الإعاقات. أحيانًا أعتقد أن المتوحدين هم أشخاص قد ولدوا أيتامًا، بغض النظر عن وجود من جاء بهم إلى الحياة من عدمه. إن الشخص المتوحد هو شخص يعيش غربة أبدية، ليصبح مسجونًا بين أشخاص غريبة عنه، لا يمكنهم التعرف عليه، وليس لديه أي أمل في أن يفهمه أحد فهمًا حقيقيًا. لذلك فإن مشكلتنا معهم هي الاهتمام، حيث إننا نجتهد في أن نقودهم إلى وضع صحي  في رأينا، بينما هم في الحقيقة يمكن أن يكونوا غير مصابين بأي مرض، ربما يكونون فقط غير مهتمين بمشاركة أفكارهم معنا. 



 فقرة من الفصل الأول لكتاب عن التوحد

في ليلة من الليالي حلُمت أنك تتكلم (هكذا تعلمت كيف أكون أبًا لابني المصاب بالتوحد)
مؤلف الكتاب: جان لوكا نيكوليتي