Wednesday 3 June 2020

أماني فوزي حبشي.. عن الترجمة والكورونا


أجرى الحوار الأستاذ مصطفى الديب لموقع ألترا ساوند 
ارتبطت العزلة تاريخيًا بالعملية الإبداعية، على اختلاف تصنيفاتها ومسمّياتها، إذ بدت شرطًا لها، وطقسًا من طقوسها الضرورية. ولكنّها خلال الشهور القليلة الماضية، ومنذ نهاية كانون الأوّل/ديسمبر 2019، تحوّلت من شرطٍ للإبداع إلى آخر للنجاة، بعد ظهور فيروس "كورونا" الذي حوّل العزلة من فردية اختيارية كانت مرتبطة بالكتّاب والشّعراء والمُترجمين، إلى أخرى جماعية إجبارية يقصدها كلّ من يودّ النجاة. 
التحوّلات الطارئة في معنى العزلة وشكلها والهدف منها، تدفعنا للتساؤل عن الشكل الذي اتّخذتهُ عُزلة المُبدعين، وعن المُتغيّرات التي طرأت عليها بعد ظهور الوباء المُستجد، وبعد أن بات اعتزال الآخرين شأنًا جماعيًا بعد أن كان رغبة فردية. نُضيف إلى هذه الأسئلة سؤالًا آخر عن تأثير الفيروس على أحوالهم ككتّاب وشعراء ومفكّرين ومُترجمين. بالإضافة إلى: ما الذي أجّلته كورونا؟ وما الذي أعادته إلى المتن مُجدّدًا؟ وهل غيّرت نظرتهم إلى الحياة؟
 طرحنا هذه الأسئلة على مترجمتين عربيتين، فكانت الإجابات الآتية: 
أماني فوزي حبشي: إننا سريعو العطب
تحتاج الترجمة، بالنسبة لي إلى العزلة، ولكنني أحتاج دائمًا إلى التفاعل المباشر مع الأشخاص، وكنت أستمتع بنوع من التوازن بين العزلة واللقاءات. العزلة الجماعية بالنسبة لي محتملة لأنني أعيش مع عائلتي. المشكلة في هذه العزلة الجماعية أنها عزلة يشوبها الترقب والقلق والخوف بل والألم أيضًا. فأحيانًا يختار المرء أن يعتزل ليراجع حياته، وهو ما أسميه عزلة سلمية، ولكن ما نعيشه الآن هو عزل جماعي إجباري وتوتر عالمي. فنحن لسنا في عزلة بل نقضي أغلبية اليوم في متابعة ما يحدث حولنا، البحث عن مخرج ما من مخاوف فُرضت علينا، نحاول السؤال على أحبائنا وبالتالي تغير قدر ما من الهدوء النفسي الذي أحتاجه عادة للتركيز فيما أفعله، وتضاعف التواصل الاجتماعي رغبة في الاطمئنان على الآخرين أو الرد عليهم لطمأنتهم علينا. فأصبح التركيز أقل وليس أكثر بالتأكيد.
حاليًا لدي بالفعل ترجمتان أحاول الانتهاء منهما، وممتنة لهذا كثيرًا، لأنه على الرغم من كل الظروف، وتعطل التزامات أخرى كثيرة، ما زال لدي ما يمكنني إنجازه. أعتقد أن ما أفعله الآن هو أنني أقضي وقتًا أطول في متابعة أخبار إيطاليا وما يُكتب في هذه الفترة عن الأدب الإيطالي والترجمات أيضًا، وأمنح وقتًا أطول للعناية بصفحة "المقهى الثقافي الإيطالي" التي أشرف عليها مع الزميل معاوية عبد المجيد. وفي الوقت نفسه أحاول منح بعض الوقت للبحث عن أعمال يمكن ترجمتها في المستقبل.
من الأشياء التي اعتدتُ عليها هي محاولة كتابة وتدوين مشاعري حيال ما يحدث، وأعتقد أنني ألجأ لهذه الحيلة كثيرًا في محاولة لتهدئة الأفكار الكثيرة والتعامل مع الأزمات بشكل عام. ولكنني حاليًا أحاول أيضًا أن أتعلم كيف أضيف الترجمات على اليوتيوب لمحاضرات أجدها تستحق الترجمة. كانت هناك بالطبع خطط سفر تأجلت الآن لأجل غير مسمى.
أمّا بخصوص ما أضافته الأزمة الحالية، ربما أكدت على بعض أفكاري ورؤيتي للحياة ولم تغير فيها الكثير، فكرة أننا نستطيع أن نعيش بأقل الأشياء الممكنة، وإن الاكتفاء فضيلة غالية مُنقذة في معظم الأوقات. وعلى الرغم مما ظهر من هلع شرائي وأنانية لدى بعض الناس إلا أن ما حدث جعلنا نشهد أيضًا قدرة البعض على العطاء والتضحية التي، في رأيي، لا يمكن للبشرية الحياة دونهما، وأن التكافل الاجتماعي، الذي ربما يكون ما ينقذ مجتمعاتنا العربية من ثورات أعنف من الثورة الفرنسية في زمنها، هو ما يميزنا كبشر وهو السبيل الأكيد للنجاة.
جعلتني الأزمة أرى بشكل أوضح كيف أننا كبشر سريعي العطب، شديدي الهشاشة، وعلينا أن ندرك حدودنا ومحدوديتنا، وأن نعرف أهمية الآخرين في حياتنا، وأنه على الرغم من أننا نعيش في عزلة مفروضة علينا، وتباعد اجتماعي مطلوب، إلا أنه لا سبيل للخروج من الأزمة، أو الاستمرار على قيد الحياة من دون تعاون فيما بيننا، وتواصل. والذي ظل ثابتًا لدي هو أن الموت ليس هو نهاية القصة، بل هو بداية قصة أخرى أجمل بكثير، ما زلت أتطلع إليها.
عالم ما بعد الكورونا، بخلاف ما سيعانيه من أزمات اقتصادية حادة وأوقات عصيبة كما يرى الجميع، سيكون، ربما لفترة، عالم لقاءات وتجمعات، ولكنه سيكون عالم ما بعد الصدمة أيضًا، شبيهًا بعوالم ما بعد الحرب، يحاول الجميع فيه جمع شتات ما تحطم وترميمه. وأتمنى أن يكون الأغلبية مدركين لهذا، ومدركين أيضًا كمية الألم والفقد والمعاناة التي سيعاني منها الكثيرون، وسيكون علينا جميعًا التعامل معها وكما تعاوننا في العزلة لكي نتجاوزها، أتمنى أن نتعاون أيضًا لتجاوز الأزمة القادمة.
زوينة آل تويه وأماني فوزي حبشي.. عن الترجمة والكورونا
رابط المقال الكامل: https://www.ultrasawt.com/%D8%B2%D9%88%D9%8A%D9%86%D8%A9-%D8%A2%D9%84-%D8%AA%D9%88%D9%8A%D9%87-%D9%88%D8%A3%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%81%D9%88%D8%B2%D9%8A-%D8%AD%D8%A8%D8%B4%D9%8A-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7/%D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%81%D9%89-%D8%AF%D9%8A%D8%A8/%D8%A3%D8%AF%D8%A8/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9

No comments:

Post a Comment