ففي تلك الساعة
المبكرة من الصباح كان أجيلولفو يحتاج دائمًا إلى أن يمارس تدريبًا ما للدقة، وذلك
بأن يحصي الأشياء وينظمها في أشكال هندسية، أو بأن يحل المسائل الرياضية. إنها
الساعة التي تفقد فيها الأشياء الظلال التي تحيط بها، والتي صاحبتها طوال الليل، لتكتسب
ألوانها رويدًا رويدًا، ولكنها في الوقت نفسه تمر بشيء غير مؤكد كأنه الليمبو في
بداية ظهوره، وكأن الضوء يحيط بها. إنها تلك الساعة التي يكون فيها كل شيء أقل ثقة
في وجود العالم.
كان أجيلولفو بحاجة دائمة إلى أن يشعر بوجود
الأشياء أمامه وكأنها حاجز منيع يُعارض كل توترات إرادته، وهكذا فقط كان ينجح في
أن يحتفظ بوعي بذاته وبوجوده أكثر ثباتًا.
ولكن عندما كان
العالم حوله يغرق في عدم الثقة والغموض، كان هو أيضًا يغرق في تلك الظلال الرخوة،
ولم يكن ينجح قط في أن ينتج رؤية مميزة، أو قرارات مفاجئة، أو إصرارًا ثابتًا، بل
كان يشعر في هذه الأحوال بالتعب، كانت تلك هي اللحظات التي يشعر فيها بأنه يتهاوى،
وفقط بمجهود جبار كان ينجح في ألا يتلاشى. عندئذ كان يبدأ في الإحصاء: إحصاء
الأوراق والأحجار، الرماح وثمار الصنوبر، وأي شيء يجده أمامه. كان يضع تلك الأشياء
في صفوف، أو ينظمها في مربعات أو في أشكال هرمية. وكان الانهماك في تلك المهام
يسمح له بالتغلب على آلامه وابتلاع أحزانه وقلقه، وكان يسمح له بأن يستعيد بريقه
وتماسكه المعتادين.
ترجمة: أماني فوزي حبشي

No comments:
Post a Comment